رد على مشاغبات
حملني
على كتابة هذه الأسطر ما مررت عليه حين قراءتي لكتاب مادسن بيري المعنون "كيف
تربح كل جدال" من نقد لحجة المؤمنين العقلية من امتناع تسلسل العلل للوصول
إلى موجد أول ليس له علة؛ ففي باب مغالطة (Conclusion
which denies premises) أو
النتيجة النافية للمقدمة صفحة 36 حيث يقول :
(( دائما ما تتسلل هذه المغالطة دون دعوة إلى الحجج الدينية؛ فالناس لألفتهم تصور الآلهة كاستثناءات لكل قاعدة، يميلون لاستخدام عبارة "كل شيء" بينما هم يقصدون "كل شيء سوى الله".
مثال : "لابد وأن يكون لكل شيء سبب، والذي بدوره له سبب وهكذا..وبما أننا لا يمكننا التراجع في الأسباب إلى ما لانهاية، نعلم أنه يجب أن يكون مسبب ليس له سبب بدأ كل شيء."
لكن إذا كان لكل شيء سبب، كيف يكون هناك شيء مثل مسبب ليس له سبب ؟ )) ا.هـ
أقول : أوافقه في نقده لهذه الحجة، فهي فعلا منطوية على مغالطة؛ لأن النتيجة تخالف المقدمة وهذا كاف للتدليل على فسادها عقليا. لنرى: (1) لكل شيء سبب + (2) التسلسل ممتنع = (3) وجود شيء من غير سبب تبدأ منه سلسلة الأسباب.
(( دائما ما تتسلل هذه المغالطة دون دعوة إلى الحجج الدينية؛ فالناس لألفتهم تصور الآلهة كاستثناءات لكل قاعدة، يميلون لاستخدام عبارة "كل شيء" بينما هم يقصدون "كل شيء سوى الله".
مثال : "لابد وأن يكون لكل شيء سبب، والذي بدوره له سبب وهكذا..وبما أننا لا يمكننا التراجع في الأسباب إلى ما لانهاية، نعلم أنه يجب أن يكون مسبب ليس له سبب بدأ كل شيء."
لكن إذا كان لكل شيء سبب، كيف يكون هناك شيء مثل مسبب ليس له سبب ؟ )) ا.هـ
أقول : أوافقه في نقده لهذه الحجة، فهي فعلا منطوية على مغالطة؛ لأن النتيجة تخالف المقدمة وهذا كاف للتدليل على فسادها عقليا. لنرى: (1) لكل شيء سبب + (2) التسلسل ممتنع = (3) وجود شيء من غير سبب تبدأ منه سلسلة الأسباب.
نجد
أن (3) تتنافى مع (1) ومنه فساد الحجة....لكن ما هو وجه اعتراضي عليه ؟ فلنر ما
يقول بعد ذلك في نفس الصفحة:
(( لهذه المغالطة تاريخ مميز، فقد استعملها كل من أرسطو وتوماس الأكويني وآخرون بصيغ أخرى...ولديها عدة أوجه : المسبب الذي ليس له سبب، العلة الأولى أو حتى المحرك الأول..يمكن صياغتها بعدة أوجه لكنها لا تسلم جميعا من كونها تنطوي على مغالطة. )) ا.هـ
أقول:
لم يعرف السيد بيري الصيغة الصحيحة لهذه الحجة، وهذا من حسن الظن مني به، إتباعا
لمبدأ الإحسان في الجدال، وهي –كما سيأتي- خالية من المغالطات والعيوب المنطقية،
بل العيب والمغالطة تأتي دائما من المعترضين عليها !
يستمر
بيري في الصفحة التالية :
((
إن محاولات جعل كائن مقدس الإستثناء المسموح به للدعوى الأصلية عادة ما يكون
مصادرة على المطلوب أو إفسادا للحجة...........وتوجد الكثير من النسخ الأكثر بساطة
في تداول العامة، ولا تخلو أي واحدة منها من المغالطة:
"لا يهم كم مرحلة تعود إلى الوراء؛ يجب أن
يكون لكل شيء بداية والله هو من بدأ كل شيء"..وهو حسبك أنت لم تكن له بداية !
"لا
يمكن لشيء أن يكون أزليا، يجب أن يكون الله قد بدأ كل شيء."...وهو أزلي طبعا
! )) ا.هـ
أقول:
الصيغة الصحيحة الخالية من المغالطة هي الآتية :
(1)
لكل حادث محدث (الحادث = ما له بداية بعد أن لم يكن، أي سبق
وجوده العدم).
(2)
الكون حادث.
(3)
إذن : للكون محدث.
من أجل دحض هذه الحجة المتينة، لن يجد
السيد بيري -ولا غيره- سوى السفسطة والمغالطة. فالعقلاء يقرون بصحة القانون الأول (1)،
فلا يمكن أن يأتي شيء للوجود بعد أن كان عدما دون مرجح أو مسبب مستقل عنه، وإنكار
هذه البديهية إنكار للعقل وهدم للعلم والمعرفة. أما المقدمة الصغرى (2) فلها
أدلتها الكثيرة والوافرة من بينها الإنفجار الكبير The Big Bang وأيضا القانون الثاني للديناميكا
الحرارية...إلخ؛ ومن هاتين المقدمتين نصل إلى نتيجة منطقية (3) ليس بها خطأ مطلقا:
للكون محدث.
الآن، محدث لا تعني بالضرورة أنه حادث
بدوره، فإذا افترضنا جدلا أن محدث الكون حادث بدوره لم نقم في الحقيقة سوى
بالتراجع خطوة للوراء، لأن الرجوع إلى مالا نهاية من المحدثات الحادثة بدورها ممتنع
عقلا. وهكذا نصل حتما إلى محدث غير حادث واجب الوجود عقلا.
سأترك الرد على بعض الاعتراضات لمقال آخر نثبت فيه بفضل الله أن الله هو واجب الوجود وهو العلة الأولى، بل العلة الحقيقية لكل شيء.
سأترك الرد على بعض الاعتراضات لمقال آخر نثبت فيه بفضل الله أن الله هو واجب الوجود وهو العلة الأولى، بل العلة الحقيقية لكل شيء.
هذا
وإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ... والله أعلم.